U3F1ZWV6ZTIxNjU2Nzk0NDQ2NDg0X0ZyZWUxMzY2Mjk3ODYxODM5NA==

كتب تاريخية في الميزان

تاريخ الطبري المتوفى 310 هـ

ليس مِن باب المبالغة إذا قُلنا إن كلّ مَن دون التّاريخ بعد الطّبري كان عالة عليه، فمحمد بن جرير بن يزيد بن غالب الطَّبري (ت 310هـ) هو أول موسوعي في التَّاريخ العام في كتابه “تاريخ الأُمم والملوك.
نشأ "ابن جرير الطبري" محبًّا للعلم والمعرفة، وأدرك وهو في سن مبكرة أن بلدته لا تُرضِي طموحه العلمي، فرحل وهو في الثانية عشره من عمره في طلب العلم ،فسافر إلى الرى بإيران الآن، وزار بعض مدنها، والتقى هناك بعلمائها، وتتلمذ على يدهم. لم يكتف الطبري بما تعلمه وعرفه في بلاد الري،بل سافر إلى مراكز الثقافة في عصره فانتقل إلى الكوفة التي كانت تمتلئ مساجدها بحلقات العلم في مختلف فنون العلوم الشرعية واللغوية، فدرس القراءات القرآنية وتلقى الحديث النبوى على يد المحدث المعروف أبى كريب محمد بن العلاء الهمدانى الذي قربه إليه، واعتنى به، لما رأى فيه من نبوغ مبكر وحرص على المذاكرة وطلب العلم، وقد أخذ "الطبري" عن شيخه "أبى كريب" ما يقرب من مائة ألف حديث .
ثم رحل الطبرى إلى "بغداد" عاصمة الخلافة العباسية ومركز الثقافة العربية آنذاك وانكب على طلب العلم والمعرفة، فدرس الفقه الشافعي، ثم انتقل إلى "الشام"، وبعدها إلى "مصر" سنة (253 ﻫ) ، وهو في نحو الثلاثين من عمره بعد رحلة طويلة وشاقة في طلب العلم .
وفى "مصر" التقى بعلمائها الكبار وتتلمذ على أيديهم ،وقد امتحنه هؤلاء العلماء وأقروا له بالعلم الوافر والثقافة الواسعة وأخيرا استقر في بغداد ليتفرغ للعلم والتدريس.

 كتب تاريخية في الميزان

🔵وتاريخه هذا اسمه (تاريخ الرسل والملوك) ويعرف أيضا بـ (تاريخ الأمم والملوك) ، وهو من أهم المصادر في مجال التاريخ ، إذ يعد أوفى عمل تاريخي عربي جامع حيث ابتدأ الكتاب من أول الخليقة وانتهى إلى سنة 309هـ، ولم يقتصر على تاريخ الإسلام فحسب، فقد ذكر في تاريخ الفرس كثيراً من الحقائق التي لا نجدها عند غيره ، وذكر تاريخ الروم بدقة تدعو إلى العجب ، مع قلة المصادر حوله في هذا الموضوع.
⭕أما الطريقة التي سار عليها الطبري في كتابه فهي طريقة المحدثين، والتي تتجلى بأن يذكر الحوادث المروية بالسند إلى ناقليها ، لا يبدي في ذلك رأياً في معظم الأحيان. وحققه الشيخ البرزنجي والشيخ محمد صبحي الحلاق وأسموه (صحيح وضعيف تاريخ الطبري) ، وهذه أول مرة يتم فيه تحقيق هذا الكتاب العظيم ونقد أسانيده ورواياته .
🔴والطبري ينقل روايات في التاريخ فيها أحياناً كذابون أو متهمون بالرفض على مذهب: (من أسند فقد أحال)، إلا أنه قد اعتذر عما جاء في كتابه من هذه الأخبار المستشنعة فقال : ( فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه , أو يستشنعه سامعه , من أجل أنه لم يعرف له وجها من الصحة ولا معنى في الحقيقة ؛ فليعلم أنه لم يُؤْت في ذلك من قبلنا , وإنما أُتِي من قِبَل بعض ناقليه إلينا , وأنا إنما أدينا ذلك على نحو ما أدي إلينا ) تاريخ الطبري المقدمة ( 1 / 8 ).

🔵وتميز تاريخ الطبري دون غيره بأمور:

منها: أنه قد استقى معلوماته من رواة شتى ، ومدارس مختلفة ، وكان يروي الحادثة الواحدة بطرق كثيرة تعين على المقارنة والموازنة ، وإصدار الحكم التاريخي الصائب بعد ذلك. ومنها: أنه لم يكن يعلق على الحوادث بتصويب أو بتفنيد ، وإنما كان يترك هذا لمن يأتي من بعده حتى يرجح في طمأنينة وحرية ، ولم يجمع الباحثون على شيء ما أجمعوا على أن كتاب الأمم والملوك هذا الذي حفظ لنا تاريخ الدولة الأموية منذ قيامها في العام الحادي والأربعين حتى سقوطها في العام الثاني والثلاثين بعد المائة.

فيما يتعلق بشخصيته كان الطبري لطيفًا ودودًا ، ظريفًا مع إخوانه، متفقدًا لأحوالهم، معتنيًا بمظهره وشكله، في غاية النظافة وحسن الصورة، وكان يتعامل مع تلاميذه بالرفق واللين والمحبة، ولا يخص أحدًا من تلامذته بشيء من علمه دون غيره ،وكان لا يقبل المناصب خوفا أن تشغله عن العلم من ناحية ولأن من عادة العلماء في ذلك العصر البعد عن السلطان من ناحية أخري، فقد روى المراغي أنه لما تقلد الخاقاني الوزارة وجه إلى أبي جعفر الطبري بمال كثير فامتنع من قبوله فعرض عليه القضاء فامتنع فعرض عليه المظالم فأبى فعاتبه أصحابه وقالوا لك في هذا ثواب وتحيي سنة قد درست وطمعوا في قبوله المظالم فذهبوا إليه ليركب معهم لقبول ذلك فانتهرهم وقال قد كنت أظن أني لو رغبت في ذلك لنهيتموني عنه قال فانصرفنا خجلين.

🔴من مختصرات الكتاب:

«صفوة التاريخ» - القاضي الجرجاني المتوفى سنة نحو 390 هـ. «اختصار تاريخ الطبري» - ابن عبد الحق البغدادي المتوفى سنة 739 هـ. «تهذيب تاريخ الطبري: تاريخ الأمم والملوك» - صالح خريسات، دار الفكر، عمان، 1412 هـ / 1992 م.

⚫ومن الاستدراكات على الكتاب:

«صلة تاريخ الطبري» - عريب بن سعيد القرطبي المتوفى سنة 369 هـ. «تكملة تاريخ الطبري» - محمد بن عبد الملك الهمذاني المتوفى سنة 521 هـ. 🔵كتب أبوجعفر الطَّبري تاريخه بالعربية، ولحاجة قراءته بالفارسية قام الوزير أبوعلي بن أبي الفضل محمد البلعمي في العام 352هـ بترجمة البعض منه، أي بعد وفاة مؤلفه بنحو ثلاثة عقود، ثم تُرجم حديثا إلى الفارسية كاملا سنة 1973، بينما تُرجم إلى التركية في فترة مبكرة من العهد العثماني، وقد ذكر هذا الخبر صاحب كتاب “كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون” حاجي خليفة.
كذلك تُرجم الكتاب مبكرا إلى الفرنسية عن الترجمة الفارسية الأولى، التي قام بإنجازها الوزير البلعمي، وتُرجم إلى الإنكليزية كاملا عن النسخة العربية.

سهل الطَّبري بمنهجه هذا على الباحث والقارئ أيضا التسلسل في التاريخ، وربط حوادثه سنة بعد أخرى، وقد دأب المؤرخون، الذين كتبوا التاريخ بعده على منواله، مثل صاحب كتاب “تجارب الأُمم وتعاقب الهمم” لمؤلفه أحمد بن يعقوب المعروف بمسكويه (ت 421هـ).

أما صاحب كتاب “الكامل في التاريخ” عزالدين المعروف بابن الأثير (ت 630هـ) فقد قالها في مقدمة كتابه، معترفا بفضل الطبري عليه، فقد أخذ نصوصه ورواياته، بعد ترك أسانيدها، حتى نهاية ما وصل إليه، ومِن بعدها سار على المنوال نفسه، أي اتخاذ منهج “السنين” في كتابة التَّاريخ.

ومَن يريد معرفة مصادر الطبري في كتابة تاريخه، فليقرأ كتاب “موارد الطبري” لجواد علي، الذي كان قد نشره على حلقات في مجلة “المجمع العلمي العراقي”، وقامت مجلة “العربية” التابعة لوزارة الإعلام والثقافة السعودية بجمعها، مع تحقيق وسيرة ذاتية وافية لجواد علي، ونشرتها في كتاب مستقل تحت العنوان المذكور (كتاب رقم 42 من كتب المجلة العربية)، فقد أتى جواد علي بالكتب التي اعتمدها الطَّبري، والتي لم يبق منها أثر. عندما نقول كتبا ليس بالضرورة أنها مجلدات أو كتب بالمعنى المتعارف عليه، فربَّما بعضها لا يتجاوز صفحات، متناولا كذلك الشخصيات التي استند عليها في تاريخه.

لا تنسى صديقي مشاركة المقال مع أصدقائك إذا أعجبك و ترك تعليق لنا كتشجيع لنا منك 
Commentaires
Aucun commentaire
Publier un commentaire

Publier un commentaire

NomCourrielMessage