قطز قاهر المغول ومعركة عين جالوت في فلسطين
(25 رمضان 658 هـ / 3 سبتمبر 1260مبعد مقتل أقطاي عُين سيف الدين قطز نائبًا للسلطان عزّ الدّين الذي قُتل لاحقًا على يد زوجته شجرة الدر بسبب خلافاته معها، وقد قُتلت شجرة الدر بعده بأيام ليؤول الحكم إلى نور الدين علي بن أيبك، وكان صغيرًا لاهيًا لا يصلح لقيادة الدولة في ظل ظروف الحرب المعلنة من المغول والتتار على العالم الإسلامي، ورسل التتار الذين يهددون مصر بالاجتياح؛ فقام قطز بعزله بعد موافقة العلماء، وأعلن نفسه سلطانًا على مصر.
ولم يكن قطز يستطيع صدَّ التتار بجيشٍ متشعب الولاءات بين الأمراء الذين يبحثون عن مصالحهم، ولا بشعب لاهٍ عن الجهاد وتبعاته؛ لذا بدأ بتنفيذ خطة محكمة سدَّد الله فيها خطاه؛ إذ بدأ بحشد جهود العلماء المخلصين من أجل بث روح الجهاد في نفوس الشعب، واضطلع سلطان العلماء العز بن عبد السلام بعِظم هذه المهمة، ومعه عدد من العلماء الأجِلاّء الذين تحفظ لهم الأمة مكانتهم.
ولمّا أراد قطز فرض ضريبة على الشعب لتجهيز الجيش، وأفتى العز بن عبد السلام بعدم الجواز إلا بعد أن يُخرِج الأمراء ما عندهم من أموالهم وأموال نسائهم وجواريهم؛ كان قطز أول مَن نفَّذ تلك الفتوى على نفسه، ثم طبقها على بقية الأمراء بالقوة.
تراصَّ الجميع خلف قطز: شعبًا وأمراءً وعلماءً؛ فبدأ التجهيز العسكري للمعركة، وفي يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة 658هـ، وبشروق الشمس أضاءت الدنيا على فجرٍ جديد انبثق من سهل عين جالوت؛ إذ التقى الجيشان: المسلم والتتري، ثم قام قطز في تضرع يدعو: "يا الله!! انصر عبدك قطز على التتار..!!".
كان قطز يتحرك على تعبئة، حيث إنه لا يتحرك إلاّ وقد رتّب جيشه بالترتيب الذي سيقاتل به العدو لو حدث قتال، وذلك حتى إذا فاجئه جيش التتار كان مستعداً للقتال، وقد وضع على مقدمة جيشه بيبرس ليكون أول من يصطدم بالتتار، لكي يحدث نصراً ولو جزئياً، وذلك ليرفع من معنويات جيش المسلمين الذي يسير خلفه، وكان سيف الدين قطز قد سلك في ترتيب جيشه نهجاً جديداً في التخطيط العسكري، حيث كون في مقدمة الجيش فرقة كبيرة نسبياً على رأسها بيبرس، وجعل هذه الفرقة تتقدم كثيراً عن بقية الجيش التي تسير خلفها، وتظهر نفسها في تحركاتها، بينما يتخفى بقية الجيش في تحركاته، فإذا كان هناك جواسيس للتتار اعتقدوا أن مقدمة الجيش هي كل الجيش، فيكون استعدادهم على هذا الأساس، ثم يظهر بعد ذلك قطز على رأس الجيش الأساسي، وقد فاجأ التتار الذين لم يستعدوا له.
وبعد أن نزلت مقدمة المسلمين بقيادة ركن الدين بيبرس واكتملت، بدأت فرقة الطبول العسكرية الإسلامية المملوكية تظهر على الساحة، وانطلقت في قوة تدق طبولها وتنفخ في أبواقها، وتضرب صنوجها النحاسية، وتعمل دوراً في غاية الأهمية في موقعة عين جالوت، فقد كانت هذه الضربات بمعان معينة، وكانت الجيوش المملوكية تتلقى الأوامر عن طريق هذه الدقات التي لا يعرفها الأعداء، فقد كان هناك ضربات معينة للميمنة، وضربات معينة للميسرة، وضربات معينة للقلب، وهناك ضربات للتقدم وضربات للانسحاب، وهناك ضربات خاصة لكل خطة عسكرية، وبذلك يستطيع القائد قطز رحمه الله أن يقود المعركة من مكان بعيد، وأيضاً يشعر الجنود بمعية القائد معهم، وأنه يرى كل خطوة من خطوات الجنود، ويستطيع أن يسد الثغرات من على بعد وهو يراقب الموقف، كما أن هذه الضربات القوية كانت تزلزل قلوب الأعداء، وتثبت قلوب المسلمين.
وقاتل قطز رحمه الله في هذه المعركة حتى أنهك، فهرب التتار إلى بيسان مسافة 20 كم،فلحق بهم قطز ودارت معركة ثانية، وأُبِيدَ جيش التتار بكامله، وانتصر الجيش الإسلامي العظيم، {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران: 126].
واسم قطز هو محمود بن ممدود، ومعنى قطز، الكلب الشرس، ويبدو أنه كانت تبدو عليه من صغره علامات القوة والبأس.
ويعد قطز، ثاني سلاطين المماليك في مصر بعد عز الدين أيبك، على الرغم أن فترة حكمة لم تدم سوى عام واحد، لأنه استطاع أن يوقف زحف المغول الذى كاد أن يقضى على الدولة الإسلامية وهزمهم هزيمة منكرة في معركة عين جالوت، ولاحق فلولهم حتى حرر الشام.
سهل عين جالوت
باب توما في دمشق الذي دخل منه المماليك بعد انتصارهم في عين جالوت
لا تنسى صديقي مشاركة المقال مع أصدقائك إذا أعجبك و ترك تعليق لنا كتشجيع لنا منك
المراجع:
- عين جالوت بقيادة الملك المظفر قطز، الدكتور شوقي أبو خليل، صفحة 74.- قصة التتار من البداية حتى عين جالوت، راغب السرجاني، صفحة 245.
- السلوك لمعرفة دول الملوك لتقي الدين أبي العباس أحمد بن علي العبيدي المقريزي، حوادث سنة 656 هجري.
- التتار من البداية إلى عين جالوت سقوط سوريا، المكتبة الشاملة.
- قاهر التتار سلطان مصر والشام المظفر قطز، رابطة أدباء الشام.
Publier un commentaire