وبدأ القتال الشديد العنيف، ويروي من حضر هذه المعركة من المسلمين أنهم لم يروا مثل شدته قطُّ، فكل معركة مع الفرس كانت أشد من سابقتها، فكانت القادسية من أشد المعارك على المسلمين، ثم كانت جلولاء أشد من القادسية، ثم كانت تُسْتَر، ثم نَهاوَنْد فكانت أشدها.
ولما اشتد القتال وحمي وطيس الحرب، وفي وسط المعركة يأتي سهم من الفرس ليستقر في قلب سيدنا النعمان بن مقرن قائد المسلمين، وقد استجاب الله تعالى دعاءه واتخذه الله شهيدًا كما قال تعالى في كتابه: {وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ} فسقط شهيدًا في ميدان القتال، وكان أول شهيد من شهداء المسلمين في معركة نَهاوَنْد وقبل أن يلفظ النعمان أنفاسه الأخيرة اقترب منه مَعْقِل بن يسار مطمئنًّا على حاله؛ فيقول له النعمان:
ماذا فعل المسلمون؟ فقال معقل: أبشر بنصر من الله. فيقول سيدنا النعمان بن مقرن : بشروا عُمر؛ فيحمد الله تعالى على ما أجزله الله من نصر المسلمين "، ويتلفظ بالشهادة لتكون آخر كلماته في الدنيا ويلفظ أنفاسه الأخيرة، ليخلد في النعيم المقيم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين
وأول من أتاه بعد سقوطه أخوه سيدنا نعيم بن مقرن قائد المقدمة، فيعتصر قلبه من الألم لما رأى من حال أخيه وسقوطه في بداية المعركة، وخشي على المسلمين من المصيبة فسجاه بثوبه، وأخذ الراية قبل أن تسقط ، وذهب بها إلى سيدنا حذيفة بن اليمان وأخبره باستشهاد سيدنا النعمان بن مقرن، فقال له سيدنا حذيفة : اكتم مصاب أميرنا عن المسلمين.
فيحمل سيدنا حذيفة بن اليمان الراية ويستمر القتال إلى الظلام، ولم يكن القتال في الظلام دَيْدنًا في حروب المسلمين بل كان في أوقات معدودة، كما كان في ليلة الهرير في القادسية وهذه هي الليلة الثالثة في فتوح فارس، واستمر القتال في الظلام حتى أصبحت الهلكة شديدة في الفرس وكثرت الدماء، حتى انزلقت الأقدام في الدماء من كثرتها، وكثر انزلاق الخيول في هذه المعركة، حتى إن بعض المؤرخين لهذه المعركة يذكرون أن استشهاد النعمان بن مقرن كان إثر انزلاق جواده في الدماء، والأقرب للصحة أن استشهاده كان على إثر سهم من سهام الفرس استقر في قلبه ليستقر في جنات الخلد.
بعد قتال استمر من الزوال إلى الظلام كتب الله النصر لجنده المؤمنين ولعباده المخلصين، وقُتِلَ عددٌ كبير من الفرس يحصى بمائة وعشرة آلاف فارس من مجموع مائة وخمسين ألفًا، منهم ثمانون ألفًا لم يقتلوا بسيوف المسلمين، وإنما قتلوا سقوطًا في الهاوية السحيقة، وذلك يرجع إلى توفيق الله ثم حُسْنِ اختيار المسلمين لأرض المعركة، وهذا من أكبر الأدلة على أن الأخذ بالأسباب له أهمية قصوى في القتال، وقُتل بأيدي المسلمين ثلاثون ألفًا، وفَرَّ أربعون ألفًا من أمام المسلمين شمالاً إلى مدينة همذان التي تبعد عن نَهاوَنْد مائة كيلو مترٍ تقريبًا شمالاً، وممن فرَّ إلى الشمال الفيرزان قائد الجيوش الفارسية، وأراد أن يلحق بهمذان لوجود فرقة فارسية متحصنة فيها
وكعادة المسلمين أرسلوا فرقة تطارد فلول الهاربين على رأسها سيدنا القعقاع بن عمرو التميمي، وكان الطريق صعب السير فيه فقد كانت منطقة جبلية، وليس للفرس هروب يمين أو يسار فكان الأمر معتمدًا على السرعة، ولاح للمسلمين جيش الفرس الفارّ من أرض المعركة، ويتنزل النصر من عند الله بجند من جنوده {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ} وكان الأمر غير متوقع في ذلك الوقت، يقابل جيش الفيرزان بغالاً وحميرًا تحمل عسلاً، قطعت الطريق على جيش الفيرزان، والبغال والحمير تسير ببطء، فنزل الفيرزان من على فرسه وكذلك فعل بقية الجيش الفارسي، وفروا في الجبال على أقدامهم، فينزل المسلمون عن خيولهم ويتتبعون الجيش الفارسي، ويلمح سيدنا القعقاع الفيرزان من على بُعْدٍ فيعرفه من هيئته فيتتبعه القعقاع بن عمرو فيقاتله ويقتله القعقاع، وكانت هذه المنطقة ثنية في الجبل وهو الطريق الواسع في الجبل، فسميت هذه المنطقة بثنية العسل، وظلت معروفة بهذا الاسم إلى زمان الإمام الطبري، وكان المسلمون يتفكهون ويقولون : إن لله جنودًا من عسل. وبعد تتبع الفارين وقتل الفيرزان، عادت الفرقة التي كان على رأسها سيدنا القعقاع بن عمرو إلى نَهاوَنْد.
كان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد ولَّى سيدنا السائب بن الأقرع وهو من صحابة النبي على جمع الغنائم، فرغم قلة عدد المسلمين وكثرة عدد الفرس إلا أن سيدنا عمر بن الخطاب كان واثقًا في النصر، فولَّى من يجمع الغنائم ويقسمه.
بعد انتهاء المعركة دخل سيدنا السائب بن الأقرع إلى مدينة نَهاوَنْد التي خَلَتْ من المقاتلين الفرس ليجمع الغنائم، ولما دخل المسلمون المدينة أتاهم " الهربذ " صاحب بيت النار على أمان، فأبلغ حذيفة، فقال: أتؤمنني ومن شئتُ على دمي وعيالي، على أن أخرج لك ذخيرةً لكسرى تركت عندي لنوائب الزمان؟
فأمَّنه سيدنا السائب بن الأقرع، فأحضر جوهرًا نفيسًا في سفطين – وعاءين - من جواهر يزدجرد كسرى فارس، قسَّم السائب بن الأقرع الغنائم على المسلمين بعد جمعها، وقسم كل الغنائم ما عدا السفطين، فكان نصيب الفارس ستة آلاف درهم، ونصيب الراجل ألفا درهم، فالفارس يأخذ من الغنائم ثلاثة أضعاف الراجل لإنفاقه على فرسه، وبقي السفطان، فقال سيدنا حذيفة: ماذا نفعل بهم؟ فقال السائب: والله لا أرى إلا أن نرسلهما إلى عمر في المدينة. فوافقه المسلمون على ذلك، فحمل السائب بن الأقرع السفطين مع خُمس الغنائم إلى سيدنا عمر بن الخطاب، وليست معه قوة تحميه.
وكعادة سيدنا عمر بن الخطاب يقف منتظرًا ليعرف أخبار المسلمين بنفسه كما كان يفعل في معركة القادسية والمدائن، فكان يخرج كل يوم ليطمئن على أخبار الجيش ويدعو لهم.
فرأى السائب بن الأقرع قادمًا عليه فقال : ما وراءك ؟ فقلت: خيرًا يا أمير المؤمنين، فتح الله عليك وأعظم الفتح.
فسَعِدَ سيدنا عمر سعادة كبيرة، ثم قال : وما فعل النعمان ؟ فقال السائب : لقي ربه شهيدًا.
فقال سيدنا عمر: إنا لله وإنا إليه راجعون ثم قال سيدنا عمر: وما فعل بقية المسلمين؟ فقال: لقد استشهد منهم كثير لا نعرف أنسابهم. فقال سيدنا عمر بن الخطاب: وما ضرَّهم ألا يعرفَهم عُمَرُ ابن أم عمر، إن الله الذي لاقَوْه يعرف وجوههم وأنسابهم. ويستمر في البكاء فترة، وكان الوقت ليلاً فقال سيدنا عمر بن الخطاب للسائب بن الأقرع : ضَعِ الغنائمَ في المسجد في بيت المال.
ويذهب وينادي سيدنا علي بن أبي طالب وعبد الله بن الأرقم ليحرسا الغنائم حتى الصباح، وبعد أن أدَّى سيدنا السائب بن الأقرع المهمة التي كلف بها، وبعد أن ترك الغنائم في بيت المال، يرجع في الليلة نفسها إلى بلاد فارس حتى يلحق بالجيوش للقتال، فهو لا يريد أن يترك لحظة واحدة من لحظات الجهاد في سبيل الله، وعاد السائب بن الأقرع إلى أرض الجهاد رغم المسافة البعيدة بين المدينة وأرض فارس، وكانت المسافة من المدينة إلى الكوفة ألف كيلو متر.
لا تنسى صديقي مشاركة المقال مع أصدقائك إذا أعجبك و ترك تعليق لنا كتشجيع لنا منك
ولما اشتد القتال وحمي وطيس الحرب، وفي وسط المعركة يأتي سهم من الفرس ليستقر في قلب سيدنا النعمان بن مقرن قائد المسلمين، وقد استجاب الله تعالى دعاءه واتخذه الله شهيدًا كما قال تعالى في كتابه: {وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ} فسقط شهيدًا في ميدان القتال، وكان أول شهيد من شهداء المسلمين في معركة نَهاوَنْد وقبل أن يلفظ النعمان أنفاسه الأخيرة اقترب منه مَعْقِل بن يسار مطمئنًّا على حاله؛ فيقول له النعمان:
ماذا فعل المسلمون؟ فقال معقل: أبشر بنصر من الله. فيقول سيدنا النعمان بن مقرن : بشروا عُمر؛ فيحمد الله تعالى على ما أجزله الله من نصر المسلمين "، ويتلفظ بالشهادة لتكون آخر كلماته في الدنيا ويلفظ أنفاسه الأخيرة، ليخلد في النعيم المقيم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين
وأول من أتاه بعد سقوطه أخوه سيدنا نعيم بن مقرن قائد المقدمة، فيعتصر قلبه من الألم لما رأى من حال أخيه وسقوطه في بداية المعركة، وخشي على المسلمين من المصيبة فسجاه بثوبه، وأخذ الراية قبل أن تسقط ، وذهب بها إلى سيدنا حذيفة بن اليمان وأخبره باستشهاد سيدنا النعمان بن مقرن، فقال له سيدنا حذيفة : اكتم مصاب أميرنا عن المسلمين.
فيحمل سيدنا حذيفة بن اليمان الراية ويستمر القتال إلى الظلام، ولم يكن القتال في الظلام دَيْدنًا في حروب المسلمين بل كان في أوقات معدودة، كما كان في ليلة الهرير في القادسية وهذه هي الليلة الثالثة في فتوح فارس، واستمر القتال في الظلام حتى أصبحت الهلكة شديدة في الفرس وكثرت الدماء، حتى انزلقت الأقدام في الدماء من كثرتها، وكثر انزلاق الخيول في هذه المعركة، حتى إن بعض المؤرخين لهذه المعركة يذكرون أن استشهاد النعمان بن مقرن كان إثر انزلاق جواده في الدماء، والأقرب للصحة أن استشهاده كان على إثر سهم من سهام الفرس استقر في قلبه ليستقر في جنات الخلد.
بعد قتال استمر من الزوال إلى الظلام كتب الله النصر لجنده المؤمنين ولعباده المخلصين، وقُتِلَ عددٌ كبير من الفرس يحصى بمائة وعشرة آلاف فارس من مجموع مائة وخمسين ألفًا، منهم ثمانون ألفًا لم يقتلوا بسيوف المسلمين، وإنما قتلوا سقوطًا في الهاوية السحيقة، وذلك يرجع إلى توفيق الله ثم حُسْنِ اختيار المسلمين لأرض المعركة، وهذا من أكبر الأدلة على أن الأخذ بالأسباب له أهمية قصوى في القتال، وقُتل بأيدي المسلمين ثلاثون ألفًا، وفَرَّ أربعون ألفًا من أمام المسلمين شمالاً إلى مدينة همذان التي تبعد عن نَهاوَنْد مائة كيلو مترٍ تقريبًا شمالاً، وممن فرَّ إلى الشمال الفيرزان قائد الجيوش الفارسية، وأراد أن يلحق بهمذان لوجود فرقة فارسية متحصنة فيها
وكعادة المسلمين أرسلوا فرقة تطارد فلول الهاربين على رأسها سيدنا القعقاع بن عمرو التميمي، وكان الطريق صعب السير فيه فقد كانت منطقة جبلية، وليس للفرس هروب يمين أو يسار فكان الأمر معتمدًا على السرعة، ولاح للمسلمين جيش الفرس الفارّ من أرض المعركة، ويتنزل النصر من عند الله بجند من جنوده {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ} وكان الأمر غير متوقع في ذلك الوقت، يقابل جيش الفيرزان بغالاً وحميرًا تحمل عسلاً، قطعت الطريق على جيش الفيرزان، والبغال والحمير تسير ببطء، فنزل الفيرزان من على فرسه وكذلك فعل بقية الجيش الفارسي، وفروا في الجبال على أقدامهم، فينزل المسلمون عن خيولهم ويتتبعون الجيش الفارسي، ويلمح سيدنا القعقاع الفيرزان من على بُعْدٍ فيعرفه من هيئته فيتتبعه القعقاع بن عمرو فيقاتله ويقتله القعقاع، وكانت هذه المنطقة ثنية في الجبل وهو الطريق الواسع في الجبل، فسميت هذه المنطقة بثنية العسل، وظلت معروفة بهذا الاسم إلى زمان الإمام الطبري، وكان المسلمون يتفكهون ويقولون : إن لله جنودًا من عسل. وبعد تتبع الفارين وقتل الفيرزان، عادت الفرقة التي كان على رأسها سيدنا القعقاع بن عمرو إلى نَهاوَنْد.
كان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد ولَّى سيدنا السائب بن الأقرع وهو من صحابة النبي على جمع الغنائم، فرغم قلة عدد المسلمين وكثرة عدد الفرس إلا أن سيدنا عمر بن الخطاب كان واثقًا في النصر، فولَّى من يجمع الغنائم ويقسمه.
بعد انتهاء المعركة دخل سيدنا السائب بن الأقرع إلى مدينة نَهاوَنْد التي خَلَتْ من المقاتلين الفرس ليجمع الغنائم، ولما دخل المسلمون المدينة أتاهم " الهربذ " صاحب بيت النار على أمان، فأبلغ حذيفة، فقال: أتؤمنني ومن شئتُ على دمي وعيالي، على أن أخرج لك ذخيرةً لكسرى تركت عندي لنوائب الزمان؟
فأمَّنه سيدنا السائب بن الأقرع، فأحضر جوهرًا نفيسًا في سفطين – وعاءين - من جواهر يزدجرد كسرى فارس، قسَّم السائب بن الأقرع الغنائم على المسلمين بعد جمعها، وقسم كل الغنائم ما عدا السفطين، فكان نصيب الفارس ستة آلاف درهم، ونصيب الراجل ألفا درهم، فالفارس يأخذ من الغنائم ثلاثة أضعاف الراجل لإنفاقه على فرسه، وبقي السفطان، فقال سيدنا حذيفة: ماذا نفعل بهم؟ فقال السائب: والله لا أرى إلا أن نرسلهما إلى عمر في المدينة. فوافقه المسلمون على ذلك، فحمل السائب بن الأقرع السفطين مع خُمس الغنائم إلى سيدنا عمر بن الخطاب، وليست معه قوة تحميه.
وكعادة سيدنا عمر بن الخطاب يقف منتظرًا ليعرف أخبار المسلمين بنفسه كما كان يفعل في معركة القادسية والمدائن، فكان يخرج كل يوم ليطمئن على أخبار الجيش ويدعو لهم.
فرأى السائب بن الأقرع قادمًا عليه فقال : ما وراءك ؟ فقلت: خيرًا يا أمير المؤمنين، فتح الله عليك وأعظم الفتح.
فسَعِدَ سيدنا عمر سعادة كبيرة، ثم قال : وما فعل النعمان ؟ فقال السائب : لقي ربه شهيدًا.
فقال سيدنا عمر: إنا لله وإنا إليه راجعون ثم قال سيدنا عمر: وما فعل بقية المسلمين؟ فقال: لقد استشهد منهم كثير لا نعرف أنسابهم. فقال سيدنا عمر بن الخطاب: وما ضرَّهم ألا يعرفَهم عُمَرُ ابن أم عمر، إن الله الذي لاقَوْه يعرف وجوههم وأنسابهم. ويستمر في البكاء فترة، وكان الوقت ليلاً فقال سيدنا عمر بن الخطاب للسائب بن الأقرع : ضَعِ الغنائمَ في المسجد في بيت المال.
ويذهب وينادي سيدنا علي بن أبي طالب وعبد الله بن الأرقم ليحرسا الغنائم حتى الصباح، وبعد أن أدَّى سيدنا السائب بن الأقرع المهمة التي كلف بها، وبعد أن ترك الغنائم في بيت المال، يرجع في الليلة نفسها إلى بلاد فارس حتى يلحق بالجيوش للقتال، فهو لا يريد أن يترك لحظة واحدة من لحظات الجهاد في سبيل الله، وعاد السائب بن الأقرع إلى أرض الجهاد رغم المسافة البعيدة بين المدينة وأرض فارس، وكانت المسافة من المدينة إلى الكوفة ألف كيلو متر.
لا تنسى صديقي مشاركة المقال مع أصدقائك إذا أعجبك و ترك تعليق لنا كتشجيع لنا منك
Publier un commentaire