وشكا بعض الناس وقالوا للنعمان : ألا ترى ما نحن فيه، فما تنتظر بهم؟ ائذن للناس في قتالهم.
فقال : رويدًا رويدًا. فكان النعمان رابط الجأش حليمًا على شدته وضراوته في القتال؛ فقد قال فيه سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لأولين عليهم رجلاً أسبقَ من الأسنة. فهو يقاتل بحكمة وغير متسرع في القتال ، وظل على موقفه حتى جاءه سيدنا المغيرة بن شعبة وقال: إن القتال قد اشتد على القعقاع ومن معه، ولا أرى ذلك رأيًا، ولو كنت مكانك لناهدتهم.
فقال سيدنا النعمان : رويدًا رويدًا ترى أمرك، نحن نرجو في المكث ما ترجو أنت في الخروج.
تألم سيدنا المغيرة لما يحدث بالمسلمين، وانتظر سيدنا النعمان بالقتال إلى أحب الساعات كانت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلقى العدو فيها وذلك عند الزوال، وصلَّى الجيش صلاة الظهر، ووقف سيدنا النعمان يخطب في المسلمين، وكانت هذه الخطبة من الخطب التاريخية المشهورة وقال :
قد علمت ما أعزكم الله به من هذا الدين وما وعدكم من الظهور، وقد أنجز لكم أوله وسيلحق بكم آخره واذكروا ما مضى إذ كنتم أذلة، وما استقبلتم من هذا الأمر وأنتم أعزة، فأنتم اليوم عباد الله حقًّا وأولياؤه
وقد ترون ما أنتم بإزائه من عدوكم، وما اخترتم وما اختاروا لكم، فأما ما اختاروا لكم فهذه الرثَّة وما ترون من هذا السواد، وأما ما اخترتم لهم فدينكم، ولا سواء ما اخترتم وما اختاروا، فلا يكونُنَّ على دنياهم أحمى منكم على دينكم، وأتقى عبادِ الله رجلٌ صَدَقَ الله، وأبلى بنفسه فأحسن البلاء، وإنكم تنتظرون إحدى الحسنيين : من بين شهيد حيٍّ مرزوقٍ أو فتح قريب، فليكفِ كل رجل ما يليه، ولا يكلْ أحدكم قرنه إلى أخيه، وقد يقاتل الكلب عن صاحبه ، فعلى المسلم أن يكفي نفسه ويحاول أن يكفي غيره ، فكل رجل منكم مُسلَّط على ما يليه ".
فلما كان قريبًا من تلك الساعة التي كان يقاتل فيها النبي صلى الله عليه وسلم ركب فرسَه وسار في الناس ووقف على كل راية يذكرهم ويحرِّضهم ويمنِّيهم الظفر، وقال:
إذا قضيت أمري فإني مكبرٌ ثلاثًا، فإذا كبرت الأولى شد الرجل شعثه، وأصلح من شأنه، وليتهيأ من لم يكن تهيأ، فإذا كبرت الثانية شدَّ الرجل إزاره، وليشد عليه سلاحه وليتأهب للنهوض وليتهيأ لوجه حملته، فإذا كبرت الثالثة فإني حامل فاحملوا.
وقال: اللهم إني أسألك أن تُقِرَّ عيني اليوم بفتح يكون فيه عِزُّ الإسلام، واقبضني شهيدًا، واجعلني أول شهيد أَمِّنوا يرحمكم الله . فأَمَّن المسلمون، وبكى الناس جميعًا.
وبدأ سيدنا القعقاع بالتراجع مُظهِرًا الهزيمة أمام الفرس، متجلدًا لقتالهم حتى وصل إلى مقدمة الجيوش الإسلامية المختبئة خلف الجبال.
وقد اختار الجيش الإسلامي مكانًا فسيحًا للقتال، ويقع بين الجبل الذي يختفي وراءه المسلمون والناحية الأخرى هاوية سحيقة ، وأراد المسلمون حصار الفرس في هذه المنطقة، فكان ظهر المسلمين الجبل وكانت هذه الهاوية السحيقة في ظهر الفرس، فإذا ضغط المسلمون على الفرس ضغطًا شديدًا، فسيكون السقوط في الهاوية أحد عوامل الهزيمة غير سيوف المسلمين ، فكان اختيار الأرض موفقًا.
ويكبر سيدنا النعمان التكبيرات الثلاث التي اتفق عليها المسلمون، ويحمل راية المسلمين سيدنا النعمان بن مقرن ورأى المسلمون الراية تتجه نحو الفُرْسِ بسرعة الصقر، فقد كان سيدنا النعمان من أسرع المقاتلين في الحرب كما وصفه سيدنا عمر بن الخطاب ؛ ولما رأى المسلمون الراية تتجه ناحية الفرس هجموا هجومًا عنيفًا على الفرس، وتلتقي السيوف في لقاء شديد
يقول سيدنا جبير: والله ما علمت من المسلمين أحدًا يريد أن يرجع إلى أهله حتى يُقتلَ أو يَظفَر. والله تعالى يقول في سورة النساء: { وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا }
فليس هناك خيار ثالث بالنسبة للمسلم، فهو أمام خيارين: إما النصر وإما الشهادة؛ يقول جبير: فحملنا حملة واحدة وثبتوا لنا، فما كنا نسمع إلا صوت الحديد على الحديد حتى أصيب المسلمون بمصائب عظيمة من شدة ثبات الفرس للقتال. ويقول سيدنا جبير: فلما رأوا صبرنا وأنا لا نبرح القتال انهزموا.
وتذكرنا هذه المقالة بمقالة سيدنا خالد بن الوليد في الرسالة التي بعثها إلى ملوك فارس قائلاً لهم:
جئتكم برجال يحبون الموت كما تحبون أنتم الحياة.
لا تنسى صديقي مشاركة المقال مع أصدقائك إذا أعجبك و ترك تعليق لنا كتشجيع لنا منك
فقال : رويدًا رويدًا. فكان النعمان رابط الجأش حليمًا على شدته وضراوته في القتال؛ فقد قال فيه سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لأولين عليهم رجلاً أسبقَ من الأسنة. فهو يقاتل بحكمة وغير متسرع في القتال ، وظل على موقفه حتى جاءه سيدنا المغيرة بن شعبة وقال: إن القتال قد اشتد على القعقاع ومن معه، ولا أرى ذلك رأيًا، ولو كنت مكانك لناهدتهم.
فقال سيدنا النعمان : رويدًا رويدًا ترى أمرك، نحن نرجو في المكث ما ترجو أنت في الخروج.
تألم سيدنا المغيرة لما يحدث بالمسلمين، وانتظر سيدنا النعمان بالقتال إلى أحب الساعات كانت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلقى العدو فيها وذلك عند الزوال، وصلَّى الجيش صلاة الظهر، ووقف سيدنا النعمان يخطب في المسلمين، وكانت هذه الخطبة من الخطب التاريخية المشهورة وقال :
قد علمت ما أعزكم الله به من هذا الدين وما وعدكم من الظهور، وقد أنجز لكم أوله وسيلحق بكم آخره واذكروا ما مضى إذ كنتم أذلة، وما استقبلتم من هذا الأمر وأنتم أعزة، فأنتم اليوم عباد الله حقًّا وأولياؤه
وقد ترون ما أنتم بإزائه من عدوكم، وما اخترتم وما اختاروا لكم، فأما ما اختاروا لكم فهذه الرثَّة وما ترون من هذا السواد، وأما ما اخترتم لهم فدينكم، ولا سواء ما اخترتم وما اختاروا، فلا يكونُنَّ على دنياهم أحمى منكم على دينكم، وأتقى عبادِ الله رجلٌ صَدَقَ الله، وأبلى بنفسه فأحسن البلاء، وإنكم تنتظرون إحدى الحسنيين : من بين شهيد حيٍّ مرزوقٍ أو فتح قريب، فليكفِ كل رجل ما يليه، ولا يكلْ أحدكم قرنه إلى أخيه، وقد يقاتل الكلب عن صاحبه ، فعلى المسلم أن يكفي نفسه ويحاول أن يكفي غيره ، فكل رجل منكم مُسلَّط على ما يليه ".
فلما كان قريبًا من تلك الساعة التي كان يقاتل فيها النبي صلى الله عليه وسلم ركب فرسَه وسار في الناس ووقف على كل راية يذكرهم ويحرِّضهم ويمنِّيهم الظفر، وقال:
إذا قضيت أمري فإني مكبرٌ ثلاثًا، فإذا كبرت الأولى شد الرجل شعثه، وأصلح من شأنه، وليتهيأ من لم يكن تهيأ، فإذا كبرت الثانية شدَّ الرجل إزاره، وليشد عليه سلاحه وليتأهب للنهوض وليتهيأ لوجه حملته، فإذا كبرت الثالثة فإني حامل فاحملوا.
وقال: اللهم إني أسألك أن تُقِرَّ عيني اليوم بفتح يكون فيه عِزُّ الإسلام، واقبضني شهيدًا، واجعلني أول شهيد أَمِّنوا يرحمكم الله . فأَمَّن المسلمون، وبكى الناس جميعًا.
وبدأ سيدنا القعقاع بالتراجع مُظهِرًا الهزيمة أمام الفرس، متجلدًا لقتالهم حتى وصل إلى مقدمة الجيوش الإسلامية المختبئة خلف الجبال.
وقد اختار الجيش الإسلامي مكانًا فسيحًا للقتال، ويقع بين الجبل الذي يختفي وراءه المسلمون والناحية الأخرى هاوية سحيقة ، وأراد المسلمون حصار الفرس في هذه المنطقة، فكان ظهر المسلمين الجبل وكانت هذه الهاوية السحيقة في ظهر الفرس، فإذا ضغط المسلمون على الفرس ضغطًا شديدًا، فسيكون السقوط في الهاوية أحد عوامل الهزيمة غير سيوف المسلمين ، فكان اختيار الأرض موفقًا.
ويكبر سيدنا النعمان التكبيرات الثلاث التي اتفق عليها المسلمون، ويحمل راية المسلمين سيدنا النعمان بن مقرن ورأى المسلمون الراية تتجه نحو الفُرْسِ بسرعة الصقر، فقد كان سيدنا النعمان من أسرع المقاتلين في الحرب كما وصفه سيدنا عمر بن الخطاب ؛ ولما رأى المسلمون الراية تتجه ناحية الفرس هجموا هجومًا عنيفًا على الفرس، وتلتقي السيوف في لقاء شديد
يقول سيدنا جبير: والله ما علمت من المسلمين أحدًا يريد أن يرجع إلى أهله حتى يُقتلَ أو يَظفَر. والله تعالى يقول في سورة النساء: { وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا }
فليس هناك خيار ثالث بالنسبة للمسلم، فهو أمام خيارين: إما النصر وإما الشهادة؛ يقول جبير: فحملنا حملة واحدة وثبتوا لنا، فما كنا نسمع إلا صوت الحديد على الحديد حتى أصيب المسلمون بمصائب عظيمة من شدة ثبات الفرس للقتال. ويقول سيدنا جبير: فلما رأوا صبرنا وأنا لا نبرح القتال انهزموا.
وتذكرنا هذه المقالة بمقالة سيدنا خالد بن الوليد في الرسالة التي بعثها إلى ملوك فارس قائلاً لهم:
جئتكم برجال يحبون الموت كما تحبون أنتم الحياة.
لا تنسى صديقي مشاركة المقال مع أصدقائك إذا أعجبك و ترك تعليق لنا كتشجيع لنا منك
Publier un commentaire